سورة الفرقان - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ} يعني لا يجعلون لله تعالى شريكاً، ولا يجعلون بينهم وبينه في العبادة وسيطاً.
{وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} يعني حرم قتلها، وهي نفس المؤمن والمعاهد.
{إِلاَّ بِالْحَقِّ} والحق المستباح به قتلها، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْل نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ».
{وَلاَ يَزْنُونَ} والزنى إتيان النساء المحرمات في قبل أو دبر، واللواط زنى في أحد القولين وهو في القول الثاني موجب لقتل الفاعل والمفعول به،
وفي إتيان البهائم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كالزنى في الفرق بين البكر والثيب.
الثاني: أنه يوجب قتل البهيمة ومن أتاها للخبر المأثور فيه.
الثالث: أنه يوجب التعزير. فجمع في هذه الآية بين ثلاث من الكبائر الشرك وقتل النفس والزنى، روى عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله (أو قال غيري): أي ذنب أعظم عند الله؟ قال: «أَن تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» قال: ثم أي؟ قال: «أَن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خِيفَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قال: ثم أيّ.؟ قال: «أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ» قال فأنزل الله ذلك.
{وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ} يعني هذه الثلاثة أو بعضها.
{يَلْقَ أَثَاماً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأثام العقوبة قاله بلعام بن قيس:
جزى اللَّه ابن عروة حيث أمسى *** عقوقاً والعقوق له أثام
الثاني: أن الأثام اسم واد في جهنم، قاله ابن عمر، وقتادة، ومنه قول الشاعر:
لقيت المهالك في حربنا *** وبعد المهالك تلقى أثاما
الثالث: الجزاء، قاله السدي، وقال الشاعر:
وإن مقامنا ندعو عليكم *** بأبطح ذي المجاز له أثامُ
{يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} فيه ثلاثة أوجه
أحدها: أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة.
الثالث: أنها استدامة العذاب بالخلود.
{وَيَخْلُدْ فِيهِ} أي يخلد في العذاب بالشرك
{مُهَاناً} بالعقوبة
{إِلاَّ مَن تَابَ} يعني من الزنى
{وَءَامَنَ} يعني من الشرك
{وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} يعني بعد السيئات
{فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فيه ثلاثة أقاويل
أحدها: في الدنيا يبدلهم بالشرك إيماناً، وبالزنى إحصاناً وبذكر الله بعد نسيانه، وبطاعته بعد عصيانه، وهذا معنى قول الحسن، وقتادة.
الثاني: أنه في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته فيبدل الله السيئات حسنات، قاله أبو هريرة.
الثالث: أنه يبدل الله عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته إذا انتقل إليها، قاله ابن بحر.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} لما تقدم قبل التوبة
{رَحِيماً} لما بعدها
وحكى الكلبي أن وحشياً وهو عبد عتبة بن غزوان كتب بعد وقعة أحد وقَتْلِ حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هل من توبة؟ فإن الله أنزل بمكة إياسي من كل خير {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ} الآية وإن وحشياً قد فعل هذا كله، وقد زنى وأشرك وقتل النفس التي حرم الله، فأنزل الله {إلاَّ مَن تَابَ} أي من الزنى وآمن بعد الشرك وعمل صالحاً بعد السيئات، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال وحشي: هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحاً، فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من شيء أوسع من هذا؟ فأنزل الله
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 48، 116]، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي. فأرسل وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنى لأخاف أن لا أكون في مشيئة الله، فأنزل الله في وحشي وأصحابه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرًُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر: 53] الآية. فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.


قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} فيه سبعة تأويلات
أحدها: أنه الشرك بالله، قاله الضحاك، وابن زيد.
الثاني: أنه أعياد أهل الذمة وشبهه، قال ابن سيرين هو الشعانين.
الثالث: أنه الغناء، قاله مجاهد.
الرابع: مجالس الخنا، قاله عمرو بن قيس.
الخامس: أنه لعب كان في الجاهلية، قاله عكرمة.
السادس: أنه الكذب، قاله ابن جريج، وقتادة.
السابع: أنه مجلس كان يشتم فيه النبي صلى الله عليه وسلم، قاله خالد بن كثير.
ويحتمل ثامناً: أنه العهود على المعاصي.
{وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغوِ مَرُّواْ كِرَاماً} فيه خمسة تأويلات
أحدها: أنه ما كان يفعله المشركون من أذية المسلمين في أنفسهم وأعراضهم فيعرضوا عنهم وعن أذاهم، قاله مجاهد.
الثاني: أنهم إذا ذكروا النكاح كَنّوا عنه، حكاه العوّام.
الثالث: أنهم إذا ذكروا الفروج كَنّوا عنها، قاله محمد بن علي البافر رحمه الله.
الرابع: أنهم إذا مروا بإفك المشركين ينكروه، قاله ابن زيد.
الخامس: أن اللغو هنا المعاصي كلها، ومرهم بها كراماً إِعراضهم عنها، قاله الحسن.
ويحتمل سادساً: وإذا مروا بالهزل عدلوا عنه إلى الجد.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِئَايَاتِ رَبِّهِمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بوعده ووعيده.
الثاني: بأمره ونهيه.
{لَمْ يخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً} يعني سمعوا الوعظ فلم يصموا عنه وأبصروا الرشد فلم يعموا عنه بخلاف من أصمه الشرك عن الوعظ وأعماه الضلال عن الرشد.
وفي قوله: {لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا} وجهان:
أحدهما: لم يقيموا، قاله الأخفش.
الثاني: لم يتغافلوا، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {رَبَّنَا لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، قاله الكلبي.
الثاني: ارزقنا من أزواجنا ومن ذرياتنا أعواناً {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} أي أهل طاعة تقر به أعيننا في الدنيا بالصلاح، وفي الآخرة بالجنة.
وفي قرة العين وجهان:
أحدهما: أن تصادف ما يرضيهما فتقر على النظر إليه دون غيره.
الثاني: أن القرّ البرد فيكون معناه برّد الله دمعها، لأن دمعة السرور باردة.
ودمعة [الحزن] حارة، وضد قرة العين سخنة العين، قاله الأصمعي.
{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} فيه خمسة أوجه
أحدها: أمثالا، قاله عكرمة.
الثاني: رضاً، قاله جعفر الصادق.
الثالث: قادة إلى الخير، قاله قتادة.
الرابع: أئمة هدى يُهْتدى بنا، قاله ابن عباس.
الخامس: نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا، قاله مجاهد.
وفي الآية دليل عل أن طلب الرياسة في الدين ندب.


قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوُنَ الْغُرْفَةَ} فيها وجهان
أحدهما: أن الغرفة الجنة، قاله الضحاك.
الثاني: أنها أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى منازل الدنيا، حكاه ابن شجرة.
{بِمَا صَبَرُواْ} فيه وجهان
أحدهما: بما صبروا عن الشهوات، قاله الضحاك.
الثاني: بما صبروا على طاعة الله.
{وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً} فيه وجهان
أحدهما: يعني بقاء دائماً.
الثاني: ملكاً عظيماً.
{وَسَلاَماً} فيه وجهان
أحدهما: أنها جماع السلامة الخير.
الثاني: هو أن يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، قاله الكلبي.
ولأصحاب الخواطر في التحية والسلام وجهان:
أحدهما: التحية على الروح والسلام على الجسد.
الثاني: أن التحية على العقل والسلام على النفس.
قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} فيه وجهان:
أحدهما: ما يصنع، قاله مجاهد، وابن زيد.
الثاني: ما يبالي، قاله أبو عمرو بن العلاء.
{لَوْلاَ دُعآؤُكُمْ} فيه وجهان
أحدهما: لولا عبادتكم وإيمانكم به، والدعاء العبادة.
الثاني: لولا دعاؤه لكم إلى الطاعة، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً: لولا دعاؤكم له إذا مسكم الضر وأصابكم السوء رغبة إليه وخضوعاً إليه.
{فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} فيه وجهان
أحدهما: كذبتم برسلي.
الثاني: قصرتم عن طاعتي مأخوذ من قولهم قد كذب في الحرب إذا قصّر.
{لِزَاماً} فيه أربعة أوجه
أحدها: أنه عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر، قاله ابن مسعود وأُبي.
الثاني: عذاب الآخرة في القيامة، قاله قتادة.
الثالث: أنه الموت، قاله محمد بن كعب، ومنه قول الشاعر:
يولي عند حاجتها البشير *** ولم أجزع من الموت اللزام
الرابع: هو لزوم الحجة في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا، قاله الضحاك، وأظهر الأوجه أن يكون اللزام الجزاء للزومه، والله أعلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7